responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا    جلد : 1  صفحه : 424
امتثلتم وغضضتم أصواتكم وخفضتموها فى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان ذلك دليلا على أنّ الله تبارك وتعالى قد اختبر قلوبكم وطهّرها وامتحنها،
فوجدها صالحة لأن تكون مهبطا لتقواه، ومستقرا لرحمته، وأهلا لمغفرته وثوابه.

[معنى جديد فى فهم الآية]
ويتردّد فى نفسى معنى لهذا الاستفتاح سأقصّه عليك- وإن لم أره من قبل-: ذلك أنّ الحقّ تبارك وتعالى شرع للمسلمين فى أول الإسلام أنهم إذا أرادوا مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم والدخول عليه أن يقدّموا بين يدى نجواهم صدقة، رمزا إلى أنّ هذا مقام كريم، لا يقربه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الكرام المتطهّرون بالصّدقات، ثم خفّف ذلك عمّن لا يستطيع رحمة به ورأفة، فذلك قول الله تبارك وتعالى فى سورة المجادلة [الآية: 12]:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ حتى إذا استقرّ تمجيد الرسول صلى الله عليه وسلم فى نفوسهم، واطمأنت إلى تعظيمه قلوبهم، وصار ذلك دأبا لهم، رفع الله عنهم هذا الحكم، وأباح لهم المناجاة بغير صدقة قبلها، فذلك قول الله تبارك وتعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [المجادلة: 13].
وأراد الحق تبارك وتعالى أن يقرّر هذا المعنى فى نفوسهم بمناسبة ما تقدّم من الحوادث، فذكّرهم برحمته إيّاهم فى أنه خفّف عنهم فى تقديم الصدقات، وأخذ عليهم أن يطيعوا ويتقوا، فعليهم أن يفوا بذلك ويعملوا عليه، وأردف ذلك بما يتلوه من الآداب والتعاليم، ويكون المعنى حينئذ: لا تقدموا بين يدى الله ورسوله، أى: لا تقدّموا الصدقة التى أمرتم بها من قبل.
ومهما يكن؛ فإن فى حذف المفعول [1] هنا كثير من معانى الإعجاز والخلود والإبهام الذى يؤدى إلى أوضح من الوضوح مما امتاز به القرآن الكريم.

[1] يقصد بذلك أن الله لم يذكر المفعول فى قوله (لا تُقَدِّمُوا) وهو يقتضيه هنا، ولحذفه فوائد منها: أن يحذف ليتناول كل ما يقع فى النفس مما يقدّم. ومنها تصور الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة. انظر فى ذلك: الكشاف للزمخشرى (4/ 349).
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا    جلد : 1  صفحه : 424
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست